حين تحكم

حين نحكم على شخصٍ ما، فإننا - دون وعيٍ منّا - نطرح سؤالًا خفيًا

"لماذا هو كذلك؟ كيف يمكنه أن يفعل هذا؟"

ومثل كل سؤال في هذا الوجود، الإجابة لا تتأخر

فبمجرد أن نستفسر داخليًا، يهيئ الكون لنا الإجابة بطريقة لا ننتبه لها أحيانًا: عبر التجربة

حين تحكم على آخر، يُفتح لك باب، إما أن تدخله عبر التأمل والصبر والتفهم، فتدرك دوافعه بصفاء القلب، وتتجاوز مشاعر الرفض داخلك، وترتقي بوعيك؛

أو أن تعجز عن التعامل مع هذا الرفض، فتُساق إلى اختبار التجربة ذاتها التي أنكرْتها، حتى تعيشها بنفسك، وتشعر بها، وتفهمها من الداخل لا من الخارج

وهنا يظهر المعنى العميق لكلمات المسيح: ونجِنا من التجربة

لأن التجربة ليست عقابًا، بل محاولة محبة من الحياة لردم المسافة بين حكمك وفهمك

والمغزى من التجربة ليس الشعور بالندم لأنك حكمت

ولا أن تدخل في صراع جديد مع جزءٍ فيك يحكم على الآخرين

فمحاولة السيطرة عليه لن تثمر إلا ولادة "أنا" أخرى، أكثر حرصًا على التحكم

إنما المغزى أن تتفهم

أن تحتضن هذا الجزء أيضًا

الجزء الذي يحكم، ويستنكر، ويخاف

أن ترى كل أبعادك بعين واسعة، دون صراع، ودون تزييف

بهذا وحده تُشفى… لا بالكبت، ولا بالسيطرة… بل بالاحتواء والفهم